فصل: تفسير الآيات (148- 150):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (137):

{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
{وكذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ المشركين قَتْلَ أولادهم} كانوا يقتلون أولادهم بالوأد ويذبحونهم، قرباناً إلى الأصنام. وشركاؤهم هنا هم: الشياطين، أو القائمون على الأصنام. وقرأ الجمهور بفتح الزاي من زين على البناء للفاعل، ونصب قتل على أنه مفعول وخفض أولادهم بالإضافة ورفع شركاؤهم على أنه فاعل بزين، والشركاء على هذه القراءة هم الذين زينوا القتل، وقرأ ابن عباس بضم الزاي على البناء للمفعول، ورفع قتل على أنه مفعول لم يسم فاعل، ونصب أولادهم على أنه مفعول بقتل، وخفض شركائهم على الإضافة إلى قتل إضافة المصدر إلى فاعله، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بقوله: أولادهم، وذلك ضعيف في العربية وقد سمع في الشعر، والشركاء على هذه القراءة هم القاتلون للأولاد {لِيُرْدُوهُمْ} أي ليهلكوهم وهو من الردى بمعنى الهلاك.

.تفسير الآية رقم (138):

{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (138)}
{وَقَالُواْ هذه أنعام وَحَرْثٌ حِجْرٌ} أي حرام، وهو فعل بمعنى مفعول، نحو ذِبْح، فيستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع {لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ} أي لا يأكلها إلا من شاؤوا وهم قائمون على الأصنام، والرجال دون النساء {وأنعام حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} أي لا تركب وهي السائبة وأخواتها {وأنعام لاَّ يَذْكُرُونَ اسم الله عَلَيْهَا} قيل معناه لا يحج عليها فلا يذكر اسم الله بالتلبية، وقيل: لا يذكر اسم الله عليها إذا ذبحت {افترآء عَلَيْهِ} كانوا قد قسموا أنعامهم على هذه الأقسام، ونسبوا ذلك إلى الله افتراء وكذباً، ونصب على الحال أو مفعول من أجله، أو مصدر مؤكد.

.تفسير الآيات (139- 140):

{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (140)}
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ} الآية: كانوا يولون في أجنّة البحيرة والسائبة: ما ولد منها حياً فهو للرجال خاصة ولا يأكل منها النساء، وما ولد منها ميتاً اشترك فيه الرجال والنساء وأنث خالصة للحمل على المعنى، وهي الأجنة وذكر {مُحَرَّمٌ} حملاً على لفظ ما، ويجوز أن تكون التاء للمبالغة {وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ الله} أي البحيرة والسائبة وشبهها.

.تفسير الآيات (141- 142):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}
{جنات معروشات} مرفوعات على دعائم وشبهها {وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ} متروكات على وجه الأرض، وقيل: المعروشات على ما غرسه الناس في العمران وغير معروشات: ما أنبته الله في الجبال والبراري {مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} في اللون والطعم والرائحة والحجم، وذلك دليل على أن الخالق مختار مريد {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} في اللون والطعم والرائحة والحجم، وذلك دليل على أن الخالق مختار مريد {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} قيل: حقه هنا الزكاة وهو ضعيف لوجهين: أحدهما: أن الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة، والآخر: أن الزكاة لا تعطى يوم الحصاد، وإنما تعطى يوم ضم الحبوب والثمار، وقيل: حقه ما يصدق به على المساكين يوم الحصاد، وكان ذلك واجباً ثم نسخ بالعشر، وقيل: هو ما يسقط من السنبل، والأمر على هذا للندب {حَمُولَةً وَفَرْشاً} عطف على جنات، والحمولة الكبار، والفرش الصغار: كالعجاجيل جمع عجل والفصلان وقيل: الحمولة الإبل لأنها يحمل عليها، والفرش: الغنم لأنها تفرش للذبح ويفرش ما ينسج من صوفها.

.تفسير الآيات (143- 144):

{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)}
{ثمانية أزواج} بدل من حمولة وفرشاَ، وسماها أزواجاً، لأن الذكر زوج للأنثى والأنثى زوج للذكر {مَّنَ الضأن اثنين} يريد الذكر والأنثى، وكذلك فيما بعده {قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ} يعني الذكر من الضأن والذكر من المعز، ويعني بالأنثيين الأنثى من الضأن، والأنثى من المعز، وكذل فيما بعده من الإبل والبقر والهمزة للإنكار {نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ} تعجيز وتوبيخ {مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} يعني في تحريم ما لم يحرم الله، وذلك إشارة إلى العرب في تحريمهم أشياء كالبحيرة وغيرها.

.تفسير الآيات (145- 146):

{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145) وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)}
{قُل لاَّ أَجِدُ} الآية تقتضي حصر المحرمات فيما ذكر، وقد جاء في السنة تحريم أشياء لم تذكر هنا كلحوم الحمر الأهلية فذهب قوم إلى أن السنة نسخت هذا الحصر، وذهب آخرون إلى أن الآية وردت على سبب فلا تقتضي الحصر، وذهب آخرون إلى أن ما عدا ما ذكر إنما نهى عنه على وجه الكراهة، لا على وجه التحريم {أَوْ فِسْقاً} معطوف على المنصوبات قبله، وهو ما أُهِلَّ به لغير الله سماه فسقاً لتوغله في الفسق، وقد تقدم الكلام على هذه المحرمات في [البقرة: 173] {كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} هو ما له أصبع من دابة وطائر قاله الزمخشري وقال ابن عطية: يراد به الإبل والأوز والنعام ونحوه؛ من الحيوان الذي هو غير منفرج الأصابع، أو له ظفر وقال الماوردي مثله، وحكى النقاش عن ثعلب: أن كل ما لا يصيد فهو ذو ظفر، وما يصيد فهو ذو مخلب، وهذا غير مطرد، لأن الأسد ذو ظفر {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} يعني ما في الظهور والجُنوب من الشحم {أَوِ الحوايآ} هي المباعر، وقيل: المصارين والحشوةونحوهما مما يتحوّى في البطن، وواحد حوايا على هذا فعائل كصحيفة وصحائف، وقيل: واحدها حاوية على وزن فاعله فحوايا على هذا فواعل: كضاربة وضوارب، وهو معطوف على ما في قوله: إلا ما حملت الظهور، فهو من المستثنى من التحريم، وقيل: عطف على الظهور، فالمعنى إلا ما حملت الظهور، أو حملت الحوايا، وقيل: عطف على الشحوم، فهو من المحرم {أَوْ مَا اختلط بِعَظْمٍ} يريد ما في جميع الجسد {وِإِنَّا لصادقون} أي فيما أخبرنا به من التحريم، وفي ذلك تعريض بكذب من حرم ما لم يحرم الله.

.تفسير الآية رقم (147):

{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)}
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسعة} أي إن كذبوك فيما أخبرت به من التحريم فقل لهم: ربكم ذو رحمة واسعة إذ لا يعاجلكم بالعقوبة على شدة جرمكم، وهذا كما تقول عند رؤية معصية: ما أحلم الله! تريد لإمهاله عن مثل ذلك ثم أعقب وصفه بالرحمة الواسعة بقوله: {وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ القوم المجرمين} أي لا تغتروا بسعة رحمته، فإنه لا يرد بأسه عن مثلكم إما في الدنيا أو في الآخرة.

.تفسير الآيات (148- 150):

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150)}
{سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا} الآية: معناها أنهم يقولون: إن شركهم وتحريمهم لما حرموا كان بمشيئة الله ولو شاء الله أن لا يفعلوا ذلك ما فعلوه، فاحتجوا على ذلك فإرادة الله له، وتلك نزغة جبرية، ولا حجة لهم في ذلك، لأنهم مكلفونمأمورون ألا يشركوا بالله، ولا يحللوا ما حرم الله ولا يحرموا ما حلل الله، والإرادة خلاف التكليف، ويحتمل عندي أن يكون قولهم: {لَوْ شَآءَ الله} قولاً يقولونه في الآخرة؛ على وجه التمني أن ذلك لم يكن، كقولك إاذ ندمت على شيء: لو شاؤ الله ما كان هذا. أي يتمنى أن ذلك لم يكن، ويؤيد هذا أنه حكى قولهم بأداة الاستقبال، وهي السين، فذلك دليل على أنهم يقولونه في المستقبل وهي الآخرة {قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ} توقيف لهم وتعجيز {قُلْ فَلِلَّهِ الحجة البالغة} لما أبطل حجتهم أثبت حجة الله ليظهر الحق ويبطل الباطل {هَلُمَّ} قيل: هي بمعنى هات فهي متعدية، وقيل: بمعنى أقبل فهي غير متعدية، وهي عند بعض العرب فعل يتصل به ضمير الاثنين والجماع والمؤنث، وعند بعضهم: اسم فعل فيخاطب بها الواجد والاثنان والجماعة والمؤنث على حد سواء، ومقصود الآية تعجيزهم عن إقامة الشهداء {فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ} أي إن كذبوا في شهادتهم وزوروا فلا تشهد بمثل شهادتهم.

.تفسير الآية رقم (151):

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)}
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يدعو جميع الخلق إلى سماع تلاوة ما حرم عليهم وذكر في هذه الآيات المحرمات التي أجمعت عليها جميع الشارئع ولم تنسخ قط في ملة، وقال ابن عباس: هي الكلمات التي أنزل الله على موسى {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} قيل: أن هنا حرف عبارة وتفسير فلا موضع لها منالإعراب، ولا ناهية جزمت الفعل، وقيل: أن مصدرية في موضع رفع تقديره: الأمر ألا تشركوا، فلا على هذا نافية، وقيل: أن في موضع نصب بدلاً من قوله ما حرم، ولا يصح ذلك إلا إن كانت لا زائدة وإن لم تكن زائدة فسد المعنى لأن الذي حرم على ذلك يكون ترك الإشراك، والأحسن عندي أن تكون أن مصدرية في موضع نصب على البدل ولا نافية ولا يلزم ما ذكر من فساد المعنى، لأن قوله ما حرم ربكم معناه ما وصاكم به ربكم بدليل قوله في آخر الآية.

.تفسير الآية رقم (152):

{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)}
{ذلكم وصاكم} به فضمن التحريم معنى الوصية، والوصية في المعنى أعمّ من التحريم، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولاينكر أن يريد بالتحريم، لأن الوصية تكون بتحريم وبتحليل، وبوجوب وندب، ولا ينكر أن يريد بالتحريم الوصية لأن العرب قد تذكر اللفظ الخاص وتريد به العموم، كما تذكر اللفظ العام وتريد به الخصوص، إذ تقرر هذا، فتقدير الكلام: قل تعالوا أتل ما وصاكم به ربكم، ثم أبدل منه على وجه التفسير له والبيان، فقال: أن لا تشركوا به شيئاً، أي وصاكم ألا تشركوا به شيئاً ووصاكم بالإحسان بالوالدين، ووصاكم أن لا تقتلوا أولادكم، فجمعت الوصية ترك الإشارك وفعل الإحسان بالوالدين وما بعد ذلك ويؤيد هذا التأويل الذي تأولنا: أن الآيات اشتملت على أوامر: كالإحسان بالوالدين وقول العدل والوفاء في الوزن، وعلى نواهي: كالإشارك وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، فلابد أن يكون اللفظ المقدم في أولها لفظاً يجمع الأوامر والنواهي، لأنها أجملت فيه، ثم فسرت بعد ذلك، ويصلح لذلك لفظ الوصية لأنه جامع للأمر والنهي، فلذلك جعلنا التحريم بمعنى الوصية ويدل على ذلك ذكر لفظ الوصية بعد ذلك، وإن لم يتأول على ما ذكرناه: لزم في الآية إشكال، وهو عطف الأوامر على النواهي، وعطف النواهي على الأوامر، فإن الأوامر طلب فعلها، والنواهي طلب تركها، وواو العطف تقتضي الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، ولا يصح ذلك إلا على الوجه الذي تأولناه من عموم الوصية للفعل والترك.
وتحتمل الآية عندي تأويلاً آخر، وهو: أن يكون لفظ التحريم على ظاهره، ويعم فعل المحرمات، وترك الواجبات لأن ترك الواجبات حرام {وَلاَ تقتلوا أولادكم خَشْيَةَ إملاق} [الإسراء: 31] الإملاق الفاقة، ومن هنا للتعليل تقديره: من أجل إملاق، وإنما نهى عن قتل الأولاد لأجل الفاقة، لأن العرب كانوا يفعلون ذلك، فخرج مخرج الغالب فلا يفهم منه إباحة قتلهم بغير ذلك الوجه {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] قيل ما ظهر: الزنا، وما بطن: اتخاذ الأخدان والصحيح أن ذلك عموم في جميع الفواحش {وَلاَ تَقْتُلُواْ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق} [الإسراء: 33] فسره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم إلى بإحدى ثلاث: زنى بعد إحصان، أو كفر بعد إيمان، أو قتل نفس بغير نفس {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ} النهي عن القرب يعم وجوه التصرف، وفيه سدّ الذريعة، لأنه إذا نهى عن أن يقرب المال، فالنهي عن أكله أولى وأحرى. والتي هي أحسن منفعة اليتيم وتثمير ماله {حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} هو البلوغ مع الرشد، وليس المقصود هنا السن وحده، وإنما المقصود معرفته بمصالحه {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} لما أمر بالقسط في الكيل والوزن، وقد علم أن القسط الذي لا زيادة فيه ولانقصان مما يجري فيه الحرج ولا يتحقق الوصول إليه أمر بما في الوسع من ذلك وعفا عما سواه {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} أي ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها من أهل قرابة القائل، فلا ينبغي أن يزيد ولا ينقص بل يعدل.

.تفسير الآية رقم (153):

{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)}
{وَأَنَّ هذا صراطي مُسْتَقِيماً} الإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوصايا أو إلى جميع الشريعة، وأن بفتح الهمزة والتشديد عطف على ما تقدم أو مفعول من أجله: أي فاتبعوه لأن هذا صراطي مستقيماً، وقرئ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح والتخفيف على العطف، وهي على هذا مخففة من الثقيلة {وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل} الطرق المختلفة في الدين من اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان الباطلة، ويدخل فيه أيضاً البدع والهواء المضلة، وفي الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا، ثم قال هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله، ثم قال هذه كلها سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} أي تفرقكم عن سبيل الله والفعل مستقبل حذفت منه تاء المضارعة ولذلك شدده أبو الحسن أحمد بن محمد البزي.

.تفسير الآية رقم (154):

{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}
{ثُمَّ آتَيْنَا} معطوف على وصاكم به، فإن قيل: فإن إيتاء موسى الكتاب متقدم على هذه الوصية، فكيف عطفه عليها بثم؟ فالجواب أن هذه الوصية قديمة لكل أمة على لسان نبيها، فصح الترتيب، وقيل: إنها هنا لترتيب الأخبار والقول، لا لترتيب الزمان {تَمَاماً عَلَى الذي أَحْسَنَ} فيه ثلاث تأويلات: أحدها أن المعنى تماماً للنعمة على الذي أحسن من قوم موسى، ففاعل أحسن ضمير يعود على الذي، والذي أحسن يراد به جنس المحسنين، والآخر: أن المعنى تماماً أي تفضلاً، أو جزاء على ما أحسن موسى عليه السلام من طاعة ربه وتبليغ رسالته، فالفاعل على هذا ضمير موسى عليه السلام والذي صفة لعمل موسى، والثالث تماماً أي إكمالاً على ما أحسن الله به إلى عباده، فالعامل على هذا ضمير الله تعالى.